بحر من الهواء: الإضطرابات الجوية و السحب الموجية

الكاتب: عمار بقشان

كان هناك لحظة غيرت من نظرتي للغلاف الجوي، إنها لحظة معرفتي أن الغلاف الجوي هو مائع أي أن حركته تشبه حركة 

السوائل بل إذا أردت تخيل تدفق الرياح في الغلاف الجوي فاراقب تدفق المياه في البحر أو النهر  و ستعرف كيف يتحرك 

الهواء من حولك. لقد جعلتني تلك الحقيقة أتوقف و أتأمل في حركة المياه في البحر و النهر و أقول لنفسي أن هذه الحركة 

تحصل أيضا في الغلاف الجوي نعم أيها السادة الغلاف الجوي هو عبارة عن بحر و لكن ليس من الماء بل من الهواء، إن 

الموجات التي تتشكل في البحر تتشكل مثلها موجات في الغلاف الجوي و حركة مياه النهر المضطربة التي تحصل نتجية 

ارتطامها بالصخور تحصل أيضا للرياح في الغلاف الجوي عندما ترتطم بحاجز مادي مثل جبل ، مبنى، أو شجرة ! و لعلي 

في هذه المقالة أرفق عدة أمثلة توضح أوجه التشابه  بين حركة الهواء و الماء.

دائما ما تصور النماذج العددية حركة الرياح  بأسهم تسير بشكل سلس (صورة ١)  و لكن الحقيقة مغايرة تماما في الطبقات السطحية و الطبقات القريبة من السطح حيث تتميز حركة الرياح في تلك الطبقات بالإضطراب نتيجة عدة أسباب مثل الحمل الحراري أو وجود عوائق مادية مثل أشجار، أبنية، أو حتى بشر 

 
صور١: حركة الرياح على مستوى ١٠ متر من نموذج GFS 



إن الموائع لديها أكثر من طريقة للتدفق و لكني سأخصص في هذه المقالة نوعان من التدفق و الذي  يلاحظ  كثيرا في الغلاف الجوي  و هو التدفق المضطرب و التدفق السلس . دقق عزيزي القارئ في الصورة رقم ٢ 

صورة٢: نهران متدفقان أحدهم يتدفق بشكل مضطرب و الأخر سلس. مصدر الصورة ، مصدر الصورة

نشاهد في الصورة التي على اليمين تدفق مضطرب للماء نتيجة إرتطامه بالصخور و إذا دققنا النظر في الماء المضطرب فسنشاهد الحركة العشوائية و الدومات التي تتشكل داخل هذا الإضطراب بينما في الصورة  الأخر فنشاهد الماء هو يتدفق بكل سلاسة نتيجة عدم وجود أي عوائق. إن هذا الشيء يحصل كل يوم في غلافنا الجوي فالهواء المتدفق قرب السطح يواجه عدة عوائق أثناء تدفقه مثل الأشجار و المبني و الجبال و نتيجة هذه الإرتطمات تصبح حركته مضطربة ، عشوائية و تتشكل فيه دومات هوائية ناتجة عن هذا التدفق المضطرب (صور٣).لذلك يطلق علماء الأرصاد الجوية على هذه الطبقة المضطربة  بالطبقة الحدية (صورة ٤) و الطبقة الحدية هي الطبقة التي يكون فيها المائع و في حالتنا هذه الهواء يتأثر تأثر مباشرا بسطح الأرض الذي تحته و عمق هذه الطبقة قد يصل إلى ١ كيلو متر و لكنه يختلف بإختلاف العوامل المحلية مثل نشاط   الحمل الحراري أو حدوث إنقلاب حراري كل هذه الأمور قد تزيد  أو تنقص من عمق الطبقة الحدية. لكن الملاحظ أن سماكة هذه الطبقة تزداد نهارا مع نشاط الحمل الحراري  و تقل ليلا مع برودة السطح. أما فوق مستوى  ١ كيلوا فتدفق الرياح  في تلك الطبقة يكون في الغالب سلسا و سريعا نتيجة عدم وجود أي عوائق مادية و هو يشبه في ذلك ماء النهر المتدفق بسلاسة في حال لم يصادف أي عوائق و يطلق علماء الأرصاد على هذه الطبقة " بالغلاف الجوي الحر" و فيه تكون الرياح كما ذكرنا متدفقة بسلاسة. 

صورة ٣: التدفق المضطرب " trubulent flow" و التدفق السلس "laminar flow". مصدر الصورة





صورة ٤: اللون الأحمر يمثل الطبقة الحدية أما الأزرق يمثل الغلاف الجوي الحر نلاحظ في الصورة وجود إنقلاب حراري "capping inversion" حد هذا الإنقلاب من نمو الحمل الحراري و بالتالي ضعف في نمو الطبقة الحدية.مصدر الصورة


أعتقد أننا أسهبنا في الحديث عن الطبقة الحدية فالحديث يطول عن هذا الموضوع و ربما نفرد مقالة خاصة لها لكن دعونا ننتقل لظاهرة أخرى توضح لن شدة التشابه بين الهواء و الماء و هي  السحب الموجية أو سحب كلفين- هيلمهولتز (صورة ٥)

 

صورة ٥: سحب كلفين- هيلمهولتز و كما يتضح من شكلها فهي تشبه موجات المحيط. مصدر الصورة ،

 كما توضح الصورة الخامسة أوجه التشابه بين السحب الموجية و موجات المحيط و الحقيقة أن كلتا الظاهرتين تتشكلان لنفس السبب و هو وجود إختلاف في سرعة مائعين متجاورين لبعض  ، في حالة السحب الموجية تكون سرعة الرياح في الطبقة العلوية أسرع من حركة الرياح في الطبقة السفلى أما في حالة موجات المحيط فتكون سرعة الهواء أسرع من الماء أسفله. 

كانت هذه بعض الأمثلة التي توضح أوجه التشابه بين الماء و الهواء و سوف نذكر في مقالات أخرى من هذه السلسلة " بحر من الهواء"  عن  ظواهر  تحصل  في الماء و الهواء مثل المد و الجزر أو موجة كلفين و الكثير من الظواهر المختلفة التي توضح أوجه التشابه بين الماء و الهواء ! 


مصادر:









تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

ماذا تعني نسبة الهطول المتوقع لهذا اليوم؟

الإنقلاب الحراري

لماذا الهواء الحار في طبقات الجو العليا يمثل ضغط جوي مرتفع ؟